شهر رجب، هو الشهر السابع من شهور السنة القمرية (الهجرية)، وهو من الأشهر الحرم، قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة/ 36). وطبيعي أن تكون الأشهر الحرم من الأوقات الكريمة على الله تعالى، حيث تستدعي من العبد أن يتحلّى بالمسوؤلية في تأكيد تجارته الرابحة مع الله. وسُمِّي بالشهر الأصبّ، حيث تصبّ فيه الرحمة على العباد صبّاً، وهو شهر الله تعالى، فعن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا إنّ رجبَ شهرُ اللهِ، وشعبانُ شهري، ورمضانُ شهرُ أُمّتي. فمن صامَ يوماً من رجب إيماناً واحتساباً، استوجب رضوان اللهِ الأكبر، وأسكُنَ الفردوس الأعلى». إذن ما هي الصورة التي لابدّ وأن نكون عليها ونحن في ضيافة شهر الله؟! البعض من الناس تراهم ينظفون بيوتهم وأثاث المنزل، ويحضّرون كلّ المستلزمات الخاصّة، إذا علموا بقدوم حبيب لهم أو نزول ضيف عليهم، تراهم يهتمّون لذلك أشدّ الاهتمام، فكيف إذا كان شهر الله تعالى؟ فلابدّ من أن نعدّ أنفُسنا روحياً وخلقياً، حتى نكون فعلاً من عباد الله الذين يُقبلون على ربّهم بقلوب نظيفة صافية طاهرة، وعقول منفتحة، ومشاعر لا تحمل إلّا الرحمة والمحبّة للآخرين.
كما إنّ صوم شهر رجب الحرام يزيدنا قوّة روحية إضافية في هجرنا لنزواتنا وشهواتنا، التي تحبط أعمالنا، بحيث يشكّل الصوم مناسبة حتى نعود إلى الله عودة محمودة، فيها كلّ العهد على التزام الحقّ، والإقلاع عن المحرّمات التي تفسد أخلاقنا، كما أنّ الاستغفار والتسبيح ممّا يليّن القلوب، ويجعلها تلهج بذكر الله؛ هذا الذِّكر وهذا التسبيح اللذان يرفعان عن الإنسان الغشاوة، ويجعلانه يستشعر الأنس بالقرب من الله تعالى، وطلب التوبة يعكس أيضاً مدى إرادة المرء في الانقطاع لله، والابتعاد عن أماكن سخطه، فهو لذلك يظهر مقدار جديّته وعزيمته في نبذ كلّ مظاهر الفساد والانحراف. فيأتي الصوم حتى يدرّب نفس الإنسان على الصبر والإحساس بالآخرين، ويهذّب المشاعر حتى تتوجه إلى الله وحده، فتعيش الأنس به، وتترفع عن الصغائر وتهجر الرذائل. أمّا التصدّق وفعل الخيرات وإعانة الفقير والمحتاج، فمن الأعمال التي تزيد الإنسان سمواً روحياً، وتجعله يشعر بروحانية عالية تفتح آفاقه على مزيد من المشاركة في الشعور تجاه مجتمعه، وعلى أنّه عضو فاعل فيه يتحمّل واجباته، ويسعى كي يقوم بما عليه حتى ينفع غيره بكلِّ صدق وإخلاص لله تعالى. ومن الأُمور التي يستحبّ الإكثار منها والتفرّغ لها، مهما أمكن لها من مجال، محاسبة الذات، والتأمّل في تصرُّفاتها، وما أسلفت من أعمال ومواقف، كي تعيد النظر فيها، وتصحّح ما اعوجّ منها وجعلها أكثر صحّة وامتثالاً لأمر الله تعالى. كما ويستحبّ زيارة الأرحام والتواصي خيراً بهم وبالمؤمنين، والتزاور بين الناس، وتعزيز الروابط الاجتماعية والإنسانية، بما يرضاه الله تعالى من حُسن التعاون والتكافل والتعارف والتراحم. فلينظر كلّ واحد منّا كيف هي علاقاته مع أرحامه؛ هل هي بما يرضاه الله؟ فالتواصل والتزاور بين الأرحام تعطينا إحساساً عالياً بالرابط الإنساني والأخلاقي، وينعكس مزيداً من الروحانية والسكينة والألفة.
شهر الله لابدّ وأن نعمره بالمشاعر الروحية الطيِّبة والزكية التي تنظف صدورنا من الغل والعصبيات والأحقاد. إنّ الفرصة متاحة للجميع كي يحسنوا إحياء شهر الله بكلّ ما يحقّق لهم ذواتهم الأصيلة التي تجذّر الإيمان في النفوس، وتجعله أكثر حضوراً وفاعلية وتأثيراً في الحياة الخاصّة والعامّة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق